علامة تعجب!.. أكتب ما تثيره فيك من أفكار وخواطر للطالبة أبرار وتد تخصص لغة عربية ودين اسلامي
علامة تعجب!.. أكتب ما تثيره فيك من أفكار وخواطر

في ذلك المساء... حين فقد الأسف وقاره...وتلاشت فيه الظروف وتشتت بين خبايا كحلته الأفكار, عزف السكون مقطوعة عطشى مفتقرة للألحان والحركات. وأعلن القلق بدء رقصة على سكينة صمت الأوتار، ذاك القلق الذي لا يأنف ان يتوارى كي يحجب نور أعيننا بظلام شهواته، وسراب أكاذيبه، فيسعى جاهدا في سلب ما نرجو الاحتفاظ به، ونخشى فقدانه.
لا أدري كيف ساقني تفكيري إلى الدموع التي ذرفتها ذلك اليوم... وإلى الخجل الذي كساني بحمرته... لا أعرف كيف سقط هذا اليوم في يدي كما تسقط الأوراق عن الشجر... لقد ذبل ذاك اليوم كزهرة ابتلت بقطرات المطر حيث كُسر عودها... ولفظت أنفاسها الأخيرة تُقبّل القطرات... وتنحني متثاقلة بعد أن غُلب على أمرها...
سمعت طرقات الباب.. ما زالت تدق بأذني.. دقّات تسكنها أطياف الصّمت الرّهيب... بلحظة لا إراديّة تردّد في مخيّلتي صدى ذاك الهاجس العميق، وتدفّق في ذهني أنين ذاك الشك المريب.
كنت جالسة لوحدي... في واقع الحال كنت مبحرة في عالم أفكاري، أجوب كياني باحثة عن ذاك الصّوت المعبّر عن أعماق أنيني وآهاتي، عن زفرات مكبوتة خلف قضبان أحلامي. لكن فجأة!... تبخّر كل ذلك بطرقات أشعرتها بالجوع لكثرة صمتي...
أردتّ أن أتكلّم... مشيت بتثاقل.. ترنّحت بشدّة للخلف.. ولكنّي أمسكت بمقبض الباب... لولا تلك التّكّة التي أحدثتها للإمساك به لما حدث ما حدث، حتّى أنّني لم أكن أتوقّع ذلك.. فقد ازدادت الطّرقات شدّة، وازداد جوعها عن ذي قبل. أصبحت بين الشّوق والتّردد... بين الكلام والصّمت.. وأخيرا اتّخذت قراري وتوكّلت على ربي... تكلّمت بصوت مالت أوتاره للاحتراق...
لم أدرِ ما قلت حينها.. كان الخوف يقيّدني بأسلاكه الحديديّة... كان صوتي أشبه بأصوات عجلات العربة فوق أطنان من الوحول.
توقف الدق فجأة!... لكنّه عاوَدَ إلحاحَهُ من جديد. تردّدت تردّد النائم لينهض من أحلامه الخلّابة... لم أعد أفكّر.. أو بمعنى آخر أحسست أنّ عقلي لم يعد يعمل.. ماذا أفعل؟!
انسكبت الدموع الحارة دون أيّ مبّرر.. كان الهاتف على بعد خطوات مني.. لكنّني لم أتحرّك... كنت مشلولة الحركة، عاجزة عن رد أيّ فعل... مشيت خطوة مرتعشة يملؤها الاضّطراب... ومددت يدا أصابها الخدر... أمسكت بسمّاعة الهاتف ووضعتها على أذني. لكن في هذه اللّحظة امتدّت من تحت الباب ورقة بيضاء كُتب عليها كلمات لم أميّزها... ولكنّها فجأة اندفعت إليّ بقوّة لتصل إلى قدمي... كانت يدا سحرية قد دفعتها من خلف الباب... وما إن قرأت الجملة المكتوبة على الورقة حتّى سقطت السّمّاعة من يدي، وتدلّت كالمشنوق...
قرأت تلك الكلمات الّتي جعلتني أشعر بسُخف أفعالي... وبحماقة ما أفعله: "إنني شخص أخرس.. أطلب حاجة منكم.. لله يا محسنين!...".



أكاديمية القاسمي - كلية أكاديمية للتربية, باقة الغربية
حقوق الطبع محفوظة © أكاديمية القاسمي