شروط المفتي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء
والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين ، أما بعد
:
أولاً : عرَّف أهل
العلم الإفتاء بأنه : "الإخبار بحكم الله
تعالى عن دليل شرعي". ولما كان الإفتاء
بهذه المنزلة من الأهمية اشترط له العلماء
شروطاً عديدة ، لا بد من توفرها فيمن
أراد التصدي لهذا المنصب الخطير. والشروط –
باختصار- هي
:
1)
) الإسلام .
(2)
البلوغ.
(3)
العقل .
(4) العدالة
.
وهذه الأربعة شروط لقبول فتواه والعمل بها
، وهي مجمعٌ على اشتراطها لذلك . قال ابن
حمدان : " أما اشتراط إسلامه وتكليفه ( أي
أن يكون بالغاً عاقلاً ) وعدالته فبالإجماع؛
لأنه يخبر عن الله تعالى بحكمه ،
فاعتبر إسلامه وتكليفه وعدالته ؛ لتحصل
الثقة بقوله ويُبنى عليه كالشهادة والروايـة
" .(صفة
الفتوى والمفتي والمستفتي : 13)
.
(5)
الاجتهاد
.
وقد ذكر العلماء
للمجتهد عدة شروطٍ ، منها ما هو محل وفاق ،
ومنها ما هو محل خلاف ، وأهم هذه الشروط
إجمالاً
:
(1)
العلم بآيات الأحكام من القرآن الكريم
.
(2)
العلم بأحاديث
الأحكام من السنة الشريفة
.
(3)
العلم باللغة العربية
.
(4)
العلم بأصول
الفقه
.
(5)
العلم بمسائل الإجماع حتى لا يخالفها
.
وللعلماء كلام طويل حول
تحقق هذه الشروط في المفتين قديماً وحديثاً
، وهل هذه الشروط معتبرة في حق كل مفتٍ
، أو أنها تشترط لما يُسمى بالمجتهد المطلق
؟ وهذه المسألة من المسائل المشكلة التي
كثر الكلام حولها.
ولمن أراد الاطلاع على كلام أهل العلم فيها،
فعليه بالكتب
التي تناولت هذه المسألة وما يتعلق بها ،
ومن أهم هذه الكتب ما يأتي
:
(1)
صفة
الفتوى والمفتي والمستفتي ، لابن حمدان
.
(2)
أدب المفتي والمستفتي ، لابن
الصلاح
.
(3)
كتاب الفقيه والمتفقه ، للخطيب البغدادي
.
(4)
إعلام الموقعين
عن رب العالمين ، لابن القيم
.
إضافةً إلى ما كتبه العلماء في مؤلفاتهم في
أصول
الفقه ، وذلك في كتاب الاجتهاد والتقليد،
حيث يتطرقون لهذه المسألة بشيءٍ من
التفصيل عندما يتكلمون عن شروط المجتهد ، أو
عندما يتكلمون عن مسألة تجزؤ الاجتهاد
، ويعنون بهذه المسألة : هل من شرط الاجتهاد
أن يكون الإنسان مجتهداً في جميع
المسائل والأبواب ، أو يجوز أن يكون مجتهداً
في بعضها دون بعض؟.
ثانياً: إن
الإنسان الذي يفتي الناس فيما يسألون عنه من
أحكام الشريعة ويبين لهم أمور دينهم
يقوم بعمل مهم جداً، وهو من أهم الأعمال
وأعظمها ، ولما كان هذا العمل بهذه
المنزلة، كان من الواجب معرفة هذا الشخص
الذي يؤدي هذا العمل ، ولا بد من اتصافه
بالعلم والتقوى والورع ونحو ذلك من الصفات
الحسنة ، وهذا الأمر يُعرف من شهادة
الناس له وثنائهم عليه ، فالناس كما قال
الرسول - صلى الله عليه وسلم -:"أنتم شهداء
الله في الأرض...." الحديث رواه البخاري
(1367)، ومسلم (949) من حديث أنس –رضي الله
عنه-، ولا شك أن تزكية العلماء لطالب العلم
وشهادتهم له باستحقاق منصب الفتوى دليلٌ
أكيد على صلاحية هذا الإنسان للقيام بهذا
العمل العظيم
.
ثالثاً: أما بالنسبة
لمن تدرج في العلم عن طريق الكتب ولم يجلس
في حلقات العلم، فإنه وإن أصاب علماً
كثيراً بهذه الطريقة، إلا إنه قد يحصل له
الخلل والخطأ من حيث لا يدري، فإنه قد
يفهم الشيء على خلاف ما هو عليه، وقد تستغلق
عليه بعض الأمور المشكلة فلا يجد من
يفتحها عليه، وقد يتجه إلى كتب تضر أكثر مما
تنفع، وغير ذلك من المحاذير التي تنتفي
إذا أخذ العلم عن أهله. ولذلك فإن السلف
الصالح ومن بعدهم لم يتلقوا العلم عن طريق
الكتب فقط، وإنما أخذوا العلم عن أهله، حيث
جلسوا عند العلماء وتتلمذوا على أيديهم،
وهم في ذلك يقتدون بالصحابة - رضي الله عنهم
-، إذ كانوا يلازمون النبي صلى الله
عليه وسلم ويأخذون العلم عنه، وكذلك الأمر
بالنسبة للتابعين، حيث لازموا الصحابة
-
رضي الله عنهم - حتى فقهوا في الدين، وبلغوا
ذروة الكمال في العلوم الشرعية.
وقد تكلم الشاطبي رحمه الله عن هذه المسألة
، ثم قال بعد أن قرر هذا الأمر
: " …وحسبك
من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر
في الناس الأخذ عنه إلا وله
قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك ، وقلما وُجِدت
فرقةٌ زائغة ولا أحدٌ مخالف للسنة إلا
وهو مفارق لهذا الوصف . وبهذا الوجه وقع
التشنيع على ابن حزم االظاهري ، وأنه لم
يلازم الأخذ عن الشيوخ ولا تأدب بآدابهم ،
وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة
الأربعة وأشباههم " (الموافقات1/66-67)
.
ولا يُفهم من هذا الكلام أن طالب العلم
لا يلتفت إلى الكتب ولا يطَّلع على ما فيها،
كلا ليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود
أن الأصل أن طالب العلم يلازم العلماء ويأخذ
عنهم، ومع هذا فإنه يطَّلع على الكتب
التي كتبها أهل العلم ويقرأ ما فيها، وإذا
أشكل عليه شيءٌ أو استغلق عليه فهمه سأل
أهل العلم عنه، وبهذا يحصل له الأخذ عن
العلماء المتقدمين والمعاصرين، فيأمن من
الغلط والخطأ، وقد أشار الشاطبي إلى هذا
المعنى ، حيث قال : إن العلم لا بد أن يؤخذ
من أهله، وهذا الأخذ له طريقان ، هما
:
(1)
المشافهة ، وهي أنفع الطريقين
وأسلمهما
.
(2)
مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين، فإنه
نافع في بابه بشرطين
:
أ – أن يحصل للمطَّلع من فهم مقاصد ذلك
العلم المطلوب ، ومعرفة اصطلاحات أهله
، ما يمكنه من فهم ذلك العلم
.
ب – أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم
المراد،
فإنهم أفضل من غيرهم من المتأخرين.ثم أخذ في
شرح هذه الأمور وبيان المراد منها.
والمقام هنا لا يحتمل التفصيل، فمن أحب
الاطلاع على كلامه في هذه المسألة فليرجع
إلى كتاب الموافقات (1/67-68). والله أعلم ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
-------------------------------------------------------
أحمد بن عبدالرحمن الرشيد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد
بن سعود الإسلامية
المصدر : موقع الإسلام اليوم
------------------------------------------------------- |