المؤتمر الدولي الثاني: "تجليات الرحلة في فضاءات الأدب العربي والحضارة الإسلامية"

ملخصات:

لاستعراض الملخصات يرجى الضغط على الاسم
  • أ.د. إبراهيم طه: المفهوم الجديد لأدب الرحلة: الرواية الفلسطينية نموذجًا
    تتحدّث المحاضرة عن مفهوم الرحلة في عصر اختصر المسافات وقرّب ما كان بعيدًا وجعله مكشوفًا أمامنا بكلّ تفاصيله دون الحاجة إلى السفر بمفهومه التقليديّ. وهكذا استبدل مفهوم السفر بمفهوم فلسفيّ أعمق وهو ما يسميّه السرديّون "السعي" Quest. ولذلك لم يعد هذا المفهوم موصولًا بالجغرافيا/ المكان وحده وإنما صار متعالقًا مع حركيّة الزمن وحركة الوعي. وتأسيسًا على هذه المتغيّرات التي طرأت على مفهوم الرحلة منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين سأقدّم نماذج وأمثلة من الرواية الفلسطينيّة.
  • أ.د. عمر يوسف حمدان: الإمام الهذلـيّ ورحلته الكبرى فـي طلب العلم
    تتحدّث هذه المساهمة عن أحد وجوه القرّاء الكبار ومشاهير علماء القراءات وأصحاب الرحلات الطوال، هو أبو القاسم يوسف بن عليّ بن جُبَارة الهُذَلـيّ البِسْكِريّ المغربـيّ النحويّ (403-465ه/1012-1073م). لقد ٱشْتُهِرَ وذاع صيته لأمرين جليلين، تفرّد بهما. الأوّل موسوعته القِرَائِيَّة الموسومة بكتاب الكامل فـي القراءات الخمسين (ط) التي جمع فيها خمسين قراءة عن أئمّة الأمصار الخمسة من 1459 روايةً وطريقًا مُودِعًا فيها زبدة معارفه وجملة تجاربه وحصيلة رحلته، فجعلها جامعةً للطرق والروايات المتلوّة والقراءات المشهورة وغيرها وفرّغ فيها كلَّ ما ألّفه فـي علوم القراءات من تصانيف، كالوجيز والهادي.
    أمّا الأمر الآخر، فرحلتُهُ الكبرى طلبًا للعلم، خصوصًا طلب القراءات. لقد قام برحلة طويلة، دامت ثلاثًا وأربعين سنةً، ٱنطلقت من بلاد المغرب ٱبتداءً ببِسْكِرَة (مدينة وعاصمة ولاية بالجزائر اليوم) وٱمتدّت إلـى أواسط آسيا ٱنتهاءً بأُوش، من كبرى مدن دولة قيرغيزستان اليوم. لقد إشار إليها فـي ديباجة كتاب الكامل المذكور آنفًا بوصف وجيز بالغ العبارة كالآتـي: «من آخر المغرب إلـى باب فَرْغَانَةَ يَـمِينًا وشِـمَالًا وجَبَلًا وبَـحْرًا. ولو علمتُ أحدًا تَقَدَّمَ عَلَيَّ فـي هذه الطبقة فـي جميع بلاد الإسلام، لَقَصَدْتُهُ».
    لذلك أشاد العديد مـمّن ترجم له بترحاله وٱعتبروه خارقًا للعادة. منهم الإمام الذهبـيّ (ت748ه) الذي وصفه ورحلتَهُ غير المعهودة بإعجاب كبير فـي ترجمته فـي تاريخ الإسلام ط46/513: «أحد الجوّالين فـي الدنيا فـي طلب القراءات، لا أعلم أحدًا رحل فـي طلب القراءات، بل ولا الحديث أوسع من رحلته؛ فإنّه رحل من أقصى الغرب إلى أن ٱنتهى إلـى مدينة فرغانة، وهي من بلاد التُّرك».
    كذلك أشاد الإمام ابن الجزريّ (ت833ه) من جهته بهذا الترحال غير المسبوق، فوصف صاحبه بأعلى الألقاب والدرجات فـي بداية ترجمته فـي غاية النهاية 2/397: «الأستاذ الكبير الرحّال والعَلَم الشهير الجوّال»، ثـمّ تطرّق إلـى الحديث عن تطوافه مع بالغ التقدير قائلًا : «طاف البلاد فـي طلب القراآت؛ فلا أعلم أحدًا فـي هذه الأمّة رحل فـي القراآت ولا لَقِيَ مَنْ لَقِيَ من الشيوخ» [غاية النهاية 2/398]، ثـمّ نقل بعض كلامه بصدد رحلته من كتاب الكامل خاتـمًا ذلك كلّه بتعليق بليغ، عبّر فيه عن عُمْق إعجابه وعِظَمِ تقديره لمثل هذه الجهود الجبّارة : «قلتُ: كذا ترى هِممَ السادات فـي الطلب» [هناك].
    تأتـي هذه المساهمة لتقف وقفة تفصيليّة على مراحل رحلته ومحطّاتها مع مراعاة تسلسلها حسب المناطق والأقاليم، ولتسلّط الضوء على تحصيله الثقافـيّ ومدارك معارفه الواسعة وتجاربه المكتسبة أثناء رحلته عديمة النظير مع تتبُّع أبرز الشيوخ الذين لقيهم وقرأ عليهم وسـمع منهم والبالغ عددهم جملةً 365 شيخًا. 
  • أ.د. إحسان الديك: دلالات رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب إلى الديار المقدسة 1106-1107م
    تزخر مكتبتنا العربية بكتب الرحالة المسلمين والدراسات التي عكفت عليها بالنقد والتحليل، لكنها تفتقر – في الوقت ذاته – إلى ما كتبه الرحالة والحجاج الأعاجم عن ديارنا في مختلف العصور.
    وانطلاقا من أهمية هذا اللون في أدب الرحلات، كان اختيار رحلة الحاج الروسي دانيال الراهب في الديار المقدسة، باعتبارها أول رحلة مدونة لهذه الديار، جرت قبل قرابة ألف عام، وشملت فلسطين والأردن ولبنان، وتمت بعد سنوات قليلة من بداية الغزو الصليبي لها.
    يحاول البحث الوقوف على دلالات هذه الرحلة وأبعادها، من خلال الإجابة عن الكثير من التساؤلات، مثل: ما طبيعة هذه الرحلة؟ وما الباعث عليها؟ وبمَ امتازت؟ وكيف بدت أحوال البلاد والعباد من خلالها؟ وكيف تبدت صورتنا في مرآة الآخر الديني في ظل الحروب الصليبية؟ وما مرجعيات صاحبها؟ وكيف اعتمد عليها ووظفها في خدمة توجهاته؟ وما أثر الروايات التوراتية فيها؟
    ويحاول البحث - كذلك- تبيان ما لهذه الرحلة وما عليها، وأن يزنها بميزان أدب الرحلات، فيقف على صدق صاحبها، ولغته وأسلوبه فيها، وطريقته في وصف الأماكن التي زارها.
  • د. عرين سلامة قدسي: مفهوم السياحة في التصوف المبكر
    While travel as a significant aspect of medieval Islamic societies has been investigated in previous scholarly works, travel as an influential custom among early Sufis of Islam is a topic that has rarely been tackled by scholars of Sufism. Travel in Sufi contexts of the period between the third/ninth and sixth/twelfth centuries involves two aspects: a. the theoretical systems of thought that Sufi authors developed concerning two major concepts applied for Sufi travel, siyāḥa and safar; and b. the different practical contents and implications of both concepts in each phase in the early history of Sufism. Siyāḥa in its early content indicated roving in solitude and without taking any provisions. Muslim landscape until the formation of the Sufi ṭuruq witnessed individual mystics who performed siyāḥa. Neither the Qurʾān nor the canonical prophetic traditions provide a clear negative attitude towards siyāḥa. Nonetheless, critical approaches against siyāḥa were consolidated, essentially, by the early fear of ignoring the communal religious duties of Islam. When Sufis succeeded to establish a complete system that put forward a detailed basis for siyāḥa’s rationale and practicum, the critical voices against siyāḥa began to take a new and extreme shape. After the fifth/eleventh century, the process of “stabilization” of the Sufi activities in particular spaces contributed to change the early Sufi principle in which spiritual progress was combined, or even conditioned, with spatial and physical mobility. However, individual cases, where the early ideal of siyāḥa was preserved, should not be neglected.
  • د. عايدة فحماوي وتد: بين السيرة والسفر رحلة بحث عن "روح العالم": قراءة في السيرة الطائرة- أقلّ من عدو.. أكثر من صديق لإبراهيم نصرالله
    تتناول هذه المحاضرة العمل الأدبيّ للكاتب الفلسطينيّ إبراهيم نصر الله (ولد 1954) السيرة الطائرة أقلّ من عدو.. أكثر من صديق (2006)؛ وهو عمل أدبيّ يمزج بين أجناس أدبيّة متداخلة على مستوى البنية الشكليّة، البنية اللغويّة والبنية السرديّة. ويلاحظ قارئ هذا العمل أن إبراهيم نصر الله يحضر في العمل ليس فقط بيوغرافيًّا بل على مستوياته الإنتاجية ككاتب يمارس فعل الكتابة ضمن أجناس مختلفة؛ فالعمل يجمع بين الرواية والسيرة الذاتيّة وأدب الرحلات، مازجًا بين هذا كلّه ولغة شعريّة تتجلى ما بين الصور المتلاحقة، وما بين المداخلات الشعريّة في بدايات الفصول أو خلالها.
    نركّز من خلال استعراضنا لهذا العمل على عدّة محاور جماليّة وأنساق سرديّة تتضافر في تشكيل الفضاء الجمالي للنصّ. منها إظهار المركّبات الجماليّة لهذا النصّ المتعدّد الأجناس، لكنّنا سنبحث في الجانب الثيماتيّ الذي تظهر فيه الرحلة - التي هي الموضوع المركزيّ لهذا العمل الأدبيّ-،وسنتوقّف عند الأبعاد المتباينة لهذه الرحلة، التي تتنوّع من حيث الإيغال في عمقها لتصل إلى الأسئلة الكونيّة، الميتا- أدبيّة والإنسانيّة الجارحة، ومن أهمّها السؤال المركزيّ الذي يفتتح به الكاتب العمل الأدبيّ: روح العالم أين تكمن هذه الأيّام؟!" ونحاول أن نفهم الإجابة التي يصل إليها الكاتب من خلال قراءتنا الجماليّة والثيماتيّة للعمل ونبيّن تجلّيات الرحلة -ليس فقط تلك المسافة الزمكانيّة بين المخيّم وكولومبيا- بل تلك التجلّيات المدهشة لرحلة مختلفة تجعل قارئ العمل يمرّ بها –كما الكاتب- معرفة، فكرًا، روحًا وأدبًا.
  • د. كلارا سروجي-شجراوي: رحلة ابن فطّومة إلى مدن الفارابي الجاهليّة
    يهدف هذا البحث إلى تقديم قراءة جديدة لرواية نجيب محفوظ رحلة ابن فطّومة (1983) تبيِّن تشابها مع المنحى الفلسفيّ العامّ لأبي نصر الفارابي (870-950) في كتابته عن المدينة الفاضلة. فالمتأمِّل لكتب الفارابي السّياسيّة سيجد أنّها تحفل بوصف أشكال لمدن جاهليّة، كما يسمّيها، تتعارض في مبناها السّياسيّ والاجتماعيّ والفكريّ مع المدينة الفاضلة المثاليّة. تماما هذا هو حال الرّحّالة ابن فطّومة في رواية محفوظ الذي يترك وطنه، وهو ابن عشرين، بحثا عن "دار الجبل" – المكان المثاليّ الذي يتوفّر فيه تحقُّق التناغم ما بين الدّين الحقّ وسعادة المواطن وخيره. لكنّ مدينة الفارابي الفاضلة تبقى حلمًا عزيزًا وأمنية صعبة المنال. كذلك تنتهي رحلة ابن فطّومة دون أن نعرف هل سينجح في الوصول حقّا إلى "دار الجبل"، أو هل سيكون بإمكانه العودة إلى الوطن. في رحلته الطّويلة يختبر ابن فطّومة أشكالا مختلفة لأنظمة سياسية-اجتماعيّة لا تُرضيه، بل تبقيه حائرا يعيش أزمة وجوديّة ودينيّة.
    إنّ التناغم الصّوتيّ بين اسم الرّحّالة ابن بطّوطة، من القرن الرابع عشر الميلاديّ، وعنوان رواية محفوظ "رحلة ابن فطّومة" هو أمر واضح لكلّ مطّلع على التّراث. لكنّه جاء هنا بهدف ربط شكل الرّواية الجديد بالتراث العربيّ القديم كنوع من التحرُّر من مقولة الغربيين بأنّ الرواية العربيّة الحديثة هي إنتاج غربيّ بامتياز. يرجع زمن الأحداث في رواية محفوظ إلى عصر الإسلام الوسيط الذي شهد ازدهارا في مجالات علميّة وفكريّة شتّى، لكنّه أنجب، في الوقت ذاته، تشنُّجاتٍ على صعيد الدّين بفِرَقه ومذاهبه المختلفة، ممّا أحدثَ حيرة وبلبلة في المجتمع فيما يتعلّق بمعنى الإسلام الحقيقيّ. أمّا الأمكنة في الرواية فهي خياليّة لأنّها يمكن أن توجد كأنظمة سياسية-اجتماعيّة في أيّ عصر، وقد نعطي تسمياتٍ مُعاصِرةً لها. تكشف الرّحلة لابن فطّومة أنّ حياة الإنسان الفرد ترتبط بشكل وثيق بالحياة السّياسيّة العامّة، وبالدّين كمنظومة فكريّة تبيّن عقليّة شعب ما وطريقة سلوكه. لذلك فإنّ أزمة ابن فطّومة تشبه أزمة الفارابي الشخصيّة، فالاثنان يرفضان "السّياسة الفاسدة" بما تجرّه على مواطنيها من ظلم وتجهيل وشرور. كذلك يرى الاثنان وجوب "هجرة" الإنسان الفاضل من "الوطن" إلى المدينة المثاليّة في حال وُجِدَت في زمانه.
  • أ.د. سيف الله قورقماز: القدس وفلسطين في رحلة الرحالة العثماني أوليا جلبي
    أوليا جلبي Awliyā Chalabī هو الرحالة المشهور العثماني التركي وقد زار جميع مدن الدولة العثمانية وكتب ما شاهده في رحلاته، وقد تحدّث بشكل مفصّل عن الحياة والثقافات والآثار والحضارة، وجمعها كلها في كتابه "سياحة نامة Siyāḥat-nāmah Seyahat-name Tārīkh-i Sayyāḥ ".
    ولد أوليا جلبي بمدينة إسطنبول عام 1611م. وبعد حصوله على التعليم الجيّد بدأ رحلاته من مدينة إسطنبول وهو في سن العشرين، واستمرت رحلاته 51 سنة ولم يذكر اسمه الحقيقي في كتابه "سياحة نامة" ودعا نفسه "سيّاح العالم".
    وقد زار الرحالة "أوليا جلبي" القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؛ مسرح النّبّوات وزهرة المدائن ومحطّ الأنظار طوال العصور. في طريقه إلى الحج الذي بدأ رحلته عام 1671م؛ دخل إلى فلسطين من منطقة العرّابة وزار القرى الموجودة هناك، كما زار سباطية ونابلس والقدس والخليل ووصف كل التفاصيل التي شاهدها فيها، كما وصف المسجد الأقصى والقدس وصفًا دقيقًا، وشاهد في القدس – كما قال – ثمانمائة إمام وواعظ يعملون في الحرم والمدارس المجاورة ويتقاضون المرتّبات، بالإضافة إلى خمسين مؤذنًا وعدد كبير من مرتلي القرآن الكريم، كما وجد أن الزائرين المسلمين ما زالوا يسيّرون مواكبهم حول الحرم ويؤدون الصلاة في المواقع المختلفة. وقال إن أروقة الحرم امتلأت بالناس من الهند وفارس وآسيا الصغرى، حيث كانوا يرتلون القرآن طوال الليل ويعقدون حلقات الذكر ويتغنون بأسماء الله الحسنى على ضوء مصابيح الزيت المتواجدة على طول الممرات ذات الأعمدة. وبعد صلاة الفجر كانت تعقد حلقات الذكر مرة أخرى في مسجد المغاربة في الركن الجنوبي الغربي من الحرم. وكان هناك خمسمائة جندي للأمن تحت إمرة باشا القدس، وكانت أهم مهامهم الرئيسية مرافقة قافلة الحج الذاهبة من دمشق إلى مكة المكرمة كل عام.
    كتاب أوليا جلبي "سياحة نامة" مصدر ومرجع مهم جدا لعصره من ناحية اللغة والأدب والتاريخ والآثار والأديان والثقافات المختلفة.
  • أ.د. مشهور الحبازي: صورة فلسطين من خلال رحلة أبي بكر بن العربيّ الأندلسيّ (ت542هـ)
    عرف العرب الرّحلة منذ وقت مبكر جدًّا، لا بل كانت حياتهم تقوم أساسًا على بحثًا عن الكلأ والماء، وكانت لهم رحلات إلى خارج شبه جزيرتهم، ذكر منها القرآن الكريم رحلتي الشّتاء والصّيف. وبعد أن نوّرهم الله، سبحانه وتعالى، بالإسلام، حملوه إلى العالم شرقًا وغربًا، إلى النّاس كافة، كانت رحلاتهم التي دونوها بطرق مختلفة؛ تلك هي رحلة الفتوحات الكبرى التي وصلت الصين شرقًا والأندلس غربًا؛ فأسّسوا وطنًا مترامي الأطراف لأعراق شتّى، وألسن ٍ متنوّعة، ومذاهب وطوائف دينيّة عديدة، وقد جمعوا بين هؤلاء كلهم برحمة الدّين الإسلاميّ وتسامحه، واللّسان العربيّ المُبين، فنشأت حضارة لم يعرف العالم لها شبيهًا في كلّ شيء.
    بعد ذلك بدأت الرّحلات داخل الوطن الإسلاميّ، وخارجه، وكان من أهم تلك الرّحلات، رحلات أهل الغرب الإسلاميّ إلى الشرق الإسلاميّ؛ لأسباب كثيرة أهمها الحج.
    من أوائل الرّحلات التي سجلت في تاريخ الغرب الإسلاميّ، رحلة الديب والفقيه والمُفسّر الأندلسيّ، أبو بكر بن العربيّ؛ لأداء فريضة الحج التي سمّاها "ترتيب الرّحلة للترغيب في الملّة"، التي ضاع أكثرها، وقد زار ابن العربي في رحلته مناطق عديدة من فلسطين، وتحدّث فيها عن مختلف جوانب الحياة.
    في هذا البحث، سأُعرّف – بإيجاز – بصاحب الرّحلة، أبو بكر بن العربيّ، ورحلته. ثمّ أتحدّث عن مظاهر الحياة المختلفة كما صوّرها ابن العربيّ؛ ففي الحياة العلميّة، كانت فلسطين مركز جذب للعلماء والأدباء ما جعل ابن العربيّ يستقرّ فيها سنوات لطلب العلم، وفي الحياة الدينية، كانت المناظرات بين أصحاب الديانات الثلاثة قائمة على أحسن وجه، كما كانت بين الفرق الإسلامية على نحو مماثل، وفي الحياة الاجتماعية وصف جوانب من حياة النساء في مدينة نابلس.
  • د. راوية بربارة: كيف غيّرت الرحلةُ مسارها، وأخذتنا معها نحو أماكن محظورة؟
    قال النقّاد: "شاعران وطئا أرض مصر، المتنبّي وطئها ورحل عنها، وتميم استقرّ بها"، والشاعر هو الأمير تميم بن المعزّ لدين الله الفاطميّ الذي انطلق في رحلةٍ غريبةٍ في طرديّاته، جعلت محقّقي الديوان والباحثين يقفون عاجزين عن فكّ ألغاز القصيدة وأماكن الرحلة، والمطايا، كاتبين في هوامش دراساتهم "مستغلق القصيدة"، وقد لفتَ انتباهي كباحثة في الشّعر الفاطميّ، أن يكون هذا الشاعر بعظمتِهِ مشتّت الأفكار، يكتب الغريب، يذهب في رحلة صيدٍ، على حصانٍ يحيي الذاكرةَ الشِّعريّةَ الجماعيّةَ لتقودَنا نحوَ مخزونٍ تراثيٍّ جاهليٍّ، ثمّ يشتّتنا بغريب رحلتِهِ، فهو يصف الفارس ناعتًا إيّاه بالمولى الذي يطاول الجوزاء، فما العلاقة بين الفارس والمولى والجوزاء والكرى؟
    أسئلة كثيرة تشغلك عن القراءة لغرابة المعاني واستغلاق الفهم، وكلّما تابعتَ كثرَ انشغالُك، فعند وصف عمليّة الصيد، نجد أنّ الفارس لم يصطد إنّما كان شاهدًا على عمليّة صيدٍ غريبةٍ نفّذها أشهبُ جائعٌ بأربعة طيورٍ، أحدها مات، ثمّ ما لبث أن قام وقتل أخاه، فكيف لميّتٍ أن يقوم ويقتلَ؟
    ويتساءل المتلقّي: ما علاقة الشّاعر بالقتلى وبالطيور، ما علاقة الله بالباز ولماذا فضّله عن غيره من الطيور؟ وكيف ربط بين القتل والخير؟؟
    مثل هذه التساؤلات لا تجد لها إجابة مقنعة على مستوى القراءة الظّاهريّة، بل على العكس، تُدخل القارئ في بلبلة وتساؤلات دون مخرج.
    ونظنّ كلّما أوغلنا في القراءة، أنّ القصيدة ستكشف لنا عن محاسنها، لكنّنا نجدها تتمنّع أكثر، لتخبرَنا أنّها نُظمت لقارئيْن؛ لقارئ عاديّ غيرِ عارفٍ بأسرارِ التّأويل، ولقارئٍ متخصّص، مستجيب، متلقّ، عارفٍ بأمور الدين.
    وهكذا نجد أنّ رحلة الشّاعر لم تكن رحلة صيدٍ عاديّة كتلك التي قام بها الشعراء، بل هي رحلةُ عمرٍ، وسيرةٌ ذاتيّة، ورحلةٌ نحو طلب العلم الباطن والدين، لا يستطيع فكّ ألغازها إلّا العارف بأسرار التأويل والعقيدة الفاطميّة والرموز الخفيّة ونظريّة المثل والممثول.
  • د. فدوى عبد الرحيم عودة: دواعي الرحلة في الأندلس عصر ملوك الطوائف والمرابطين
    تكمن أهمية الرحلة كونها تمثل مظهرا من مظاهر الحضارة العربية الإسلامية، فهي فاتحة الآفاق المعرفية، كاشفة عن مكنونات النفس البشرية وما يخالجها من مشاعر وأحاسيس، مقتحمة الحدود السياسية عبر مجهول رُسم في الخيال بصور غامضة حينا مشوقة أحيانا. ولعل مفهوم الرحلة يعني الانتقال والتحول من مكان إلى آخر، وهذا الانتقال قد يكون ماديا أو ذهنيا مع ما يصاحبه من متغيرات شعورية ووجدانية في ذات الإنسان. وقد عاش الأندلسي الرحلة بكل تفاصيلها، فأول ولاة الأندلس "عبد الرحمن الداخل" جاء إلى الأندلس مرتحلا هاربا من بني العباس، ولعل اختلاط الأجناس في الأندلس وكثرت الحوادث غرست الرحيل والتشتت في نفس الأندلسي، وقد اتضحت صورة الرحيل في الأندلس في أقوى مظاهرها في حالة الجلاء عن الوطن أثناء انفراط العقد وسقوط المدن الأندلسية، وما تركه الرحيل من لوعة وأسى.
    وقد تكون هذا البحث من تمهيد وثلاثة محاور أما التمهيد؛ فتحدثت فيه عن الشخصية الأندلسية وتركيبة المجتمع الأندلسي واختلاط العناصر فيه، والتأثر بين هذه الأجناس المتشابكة، والحرية الدينية التي تميزت بها هذه البقعة من أرض المسلمين. أما المحور الأول فيعالج الدوافع السياسية للرحلة الأندلسية في عصر الطوائف والمرابطين، فتقلبات الزمن واختلاف الظروف، تؤدي إلى هجرة الفرد عن موطنه الأم باحثا عن الخلاص من الظلم والقمع في وطن بديل بعيد عن وطنه الأم رغبة في الخلاص من وضعه المتردي، ويتمثل الدافع السياسي بالجلاء عن الوطن رغبة من الشاعر أو الكاتب أو الطرد والنفي القسري من السلطة التي تحكم البلد التي يعيش فيها. ويناقش المحور الثاني الدوافع الاجتماعية للرحلة؛ فالظروف الاقتصادية الصعبة والفقر والعوز يدفعان المرء للرحيل عن وطنه طلبا للرزق، أو يرتحل الفرد بحثا عن الاستقرار النفسي والسكينة التي يفتقدها في وطنه. أما المحور الثالث فيقف عند عناصر لوحة الرحيل، حيث تذرف الدموع عند وداع المرتحل وتلوج الحسرة في نفس مودعيه، ثم يعتمل الشوق والحنين إثر الابتعاد والرحيل. وقد ختمت البحث بمجموعة من النتائج التي توصلت إليها
  • أ.د. محمد بكر البوجي: بين المخيم وأوروبا: الأشياء عادية جدا.. مجموعة قصصية - عاطف أبو سيف
    ولد الكاتب في مخيم جباليا وعاش فيه وتعلم، وتشرب حياة المخيم بكل ما فيها من بؤس وطموح، لم يكن عاطف يحلم بالسفر إلى تلك البلاد البعيدة عن ذهنه، كانت مخيلته تتأرجح بين المخيم وصخب مدينة غزة، هناك في رحلته إلى أوربا وازن عاطف بين حياته الأولى وخطواته الآن أثناء القص، أصيب بالانبهار، ليس بمفهومه الحضاري كما حدث مع الطهطاوي وتوفيق الحكيم وغيرهم، لكنه تداخل مع الطيب صالح في روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) إنه يعيش الحالة نفسها، هناك في الوطن تدمير وسجون، هنا في أوربا حياة وحرية وانطلاق، لماذا؟
    إذن لا بد من استلاب الذات داخليا، ولا تماهي مع فكرهم وسلوكهم. شاهد كاتبنا وسجل ووازن، فقد تراوحت المجموعة بين التجوال في مدن أوربا ونسائها، وبين حياة الأهل هناك، وأحداث دامية تدور في الحارة التي تشَرب فيها مفاهيم الوطن والهجرة والفتوة. وصف الطبيعة ببهائها وجاذبيتها وسحرها، انتقل ذهنه مباشرة إلى حارة المخيم وبيوت الصفيح، يعيش الكاتب حالة من الانفصام الذهني بين حياتين، الأولى رحلاته المتكررة إلى أوربا، والثانية تجذره في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، (كنت أقف والعبارات تتدفق من رحم اللحظات السابقة) ص 7.
    ينعكس هذا على لغته عموما، فهي ليست لغة محايدة، بل فاصلة بين حياتين، حينما وسم مجموعته القصصية الثانية باسم (حياة ميتة) وروايته الأخيرة باسم (حياة معلقة) وهذه المجموعة (الأشياء عادية جدا) يحاول فيها إخفاء هذه الحالة، رغم إدراكه العميق أن حياته ليست عادية، فهي معلقة أحيانا، وميتة أحيانا أخرى، كلمة أشياء لا تحدد ثابتا، إنها الفوضى الدلالية، والتشتت وعدم الثبات، ترحال متواصل، ومكان بائس لا يتغير.
  • أ. د. خليل عودة: البعد النفسي في رحلة فدوى طوقان "رحلة جبلية صعبة"
    رحلة جبلية صعبة تجربة مميزة لأديبة فلسطينية أرادت أن تعبر عن سيرتها الذاتية بأسلوب خاص، يجمع بين الرحلة الأدبية والسيرة الذاتية، وهي في رحلتها الخاصة أشارت إلى عدة محطات نفسية، جعلت الرحلة تتسم بخصائص إنسانية واجتماعية عكست بشكل واضح صعوبة الرحلة التي وصفتها الكاتبة بأنها جبلية وصعبة، وهي رحلة تمتد من المجهول إلى عالم جديد غير مستعد لاستقبالها، وبين الرفض والقبول تمت رحلة فدوى طوقان رحلة بدأت بالمجهول، حيث لم تعرف تاريخاً مُحدداً لميلادها وانتهت بالشهرة على مستوى الشعر والأدب، وبدأت الرحلة أيضا برفضها كأنثى، وانتهت باحترامها كامرأة.
    بدأت رحلة الشاعرة في بيت العائلة طفلة محرومة من كل مقومات الطفولة المادية والمعنوية، حاولت جهدها إثبات ذاتها في البيت، لكن الجميع كان يتجاهلها ويرفض وجودها، ولم تجد حنانا من أقرب الناس إليها (الوالدة والوالد) وعاشت عزلة نفسية وشخصية، أثرت على مستقبل حياتها تأثيراً مباشراً، وقد انعكست هذه الآثار النفسية السيئة على تكوينها الجسمي، لتصبح أسيرة المرض الذي أنهك جسدها، وجعلها عليلة، صفراء البشرة، شاحبة الوجه، وقد يكون ذلك حالة نفسية أثرت بشكل مباشر على تكوينها الجسمي، وقد رافق الضعف النفسي ضعفها الجسدي، مما جعلها تشعر بالإحباط وعدم القدرة على الدفاع عن نفسها، أو المطالبة بأبسط حقوقها.
    واستمرت الرحلة الجبلية في محطات مختلفة من حياتها؛ المدرسة، الشارع، الحب، السياسة، الشعر.

    كلمات مفتاحية: الرحلة، الجبل، الطفولة، الشعر.
  • د. باسيليوس بواردي: شخصية الرحالة في الأدب الجغرافي العربي: نحو معرفة الذات والآخر
    في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونتيجة لتفاعلات محلية وخارجية، تطورت في بيروت طبقة متوسطة برجوازية، ضمت في داخلها مفكرين وتجارا. أكثر هؤلاء المفكرين عملوا بجد من أجل تطوير اللغة والحضارة العربية، وبالمقابل، وعلى المستوى السياسي والقومي شجعوا أفكارا وطنية محلية، سورية وعربية. وضمن هذه المعطيات. تطوّرت التفاعلات الثقافية العربية في القرن التاسع عشر ضمن معطيات سياسية وتاريخية عامة، وبالتالي فإن الجانب الأدبي في النهضة العربية لا ينفصل عن التطوّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي واكبتها التغيرات الحضارية، بل يشكّل الأدب فيها تعبيرا مكْمِلا وضروريّا في المفاهيم العامة.
    وقد تأثرت هذه التطورات بأسباب عديدة، منها: تأثير الغرب، السياسي والاقتصادي والثقافي على المنطقة، الفعاليات التبشيرية المسيحية، الحرب الأهلية في لبنان ودمشق في العام 1860، والتي أكّدت لأطراف النزاع مدى الحاجة إلى حلّ غير طائفي يسمح للعديد من الشرائح السكانية القاطنة هذه المناطق التعايش المشترك. ومن هذه التأثيرات أيضا مجموعة القوانين الإصلاحية العثمانية المسماة بالـ"تنظيمات"، والتي كانت مركز السياسة العثمانية بدءا من العام 1856. وتأتي هذه المحاضر لتسلط الضوء على زاوية هامة في هذه الفعاليات الثقافية الحيوية التي فتحت الطريق مستقبلا لتقبل أنواع أدبية مغايرة وبالتالي لتبني أنماط تفكيرية مساءلة ومنتقدة.
    وتتناول هذه المحاضرة دور الرحالة والأدب الجغرافي العربي في الرواية العربية في القرن التاسع عشر وأصداءه في السردية العربية الروائية في القرن العشرين، كجزء من التغيرات التي فرضها واقع الحال الحضاري والسياسي للنهضة العربية في القرن التاسع عشر. وتستند هذه المحاضرة إلى قراءة نصية لعديد من الروايات أو السرديات المروية في القرن التاسع عشر والعشرين لخليل الخوري وسليم البستاني وفرح أنطون وأمين الريحاني وسعيد عقل. وترى هذه المحاضر أن تجنيد الرحالة في هذه النصوص الأدبية قد انتقل من دور الكتابة عن الآخر الغربي ووصفه إلى محاولة تقصّي "الأنا" العربي وحضارته وتراثه وتاريخه. هذا وسوف تؤكد المحاضرة على أنّ توظيف الرحالة في هذه المرحلة الحرجة من النهضة العربية ساعد على نشر أفكار قومية ووطنية بشكل علني وضمني من أجل المساهمة في بناء إنسان عربي يفتخر بتاريخه وثقافته.  
  • د. فاتن علوش: الرحلة وتجلياتها في أدب يوسف إدريس
    تحاول هذه الصفحات أن تفحص ماهيّة وأهداف ونتائج أدب الرحلة عند يوسف إدريس، شكلا ومضمونا، بتجلياتها الاجتماعية والفكرية والسياسية، وكيف عبر عنها بالفن، باعتبار أدب الرحلات أسلوبا فنيا وموضوعا داخل النوع الأدبي نفسه، وليس فقط نوعا أدبيا قائما بذاته، أو دراسة تاريخية وجغرافية حيّة، كما كان من قبل.
    الرحلة هنا هي تصوير الكاتب لما جرى عند انتقاله بواسطة شخوصه وأحداثه، أو هو شخصيا، إلى مكان آخر، عمدا أو هربا، في الواقع أو في الخيال الأدبي والفني، بهدف إحقاق الحق والعدالة. ومن ذلك إبحاره عبر طيات نفس وحضارة الآخر الأجنبي المهيمن، في محاولة للكشف عن قيمه، ومدى صحتها، ودوافعه في ممارساته، على أرض الوطن وخارجه، لتجاوزه، أو التأثير عليه، أو التوازن معه. هذا يعني أن المكان والزمان، يساهمان في خلق معنى الرحلة ونتائجها. والأسئلة المطروحة هنا، والتي رحل الفنان باحثا عن إجاباتها تقول: ما هو هذا الآخر الغربي الذي يتحكم بنا، دخيلا ومحتلا، أو رابضا يرصد الشرق في مكانه، من خلال حضارته؟ ما هو سر قوته، وهل يمكن التغلب عليه، وإحداث التغيير المطلوب، تجاوزا أو توازنا، حماية للحق والوطن والحضارة العربية؟ انطلقت رحلة الأديب إلى الآخر، للإجابة عن الأسئلة المطروحة، من داخل مصر، حيث غاص في نفوس شخوصه، من الأجانب، في أعمال مختلفة سنعالجها هنا ومنها: رواية "البيضاء". كما انطلق إلى الخارج، في رحلات إلى دول آسيا الشرقية والجزائر وأوروبا وأمريكا، فوصل النمسا في رواية "فينا 60"، وأمريكا في رواية "نيويورك 80"، وإسبانيا في رواية "رجال وثيران". هكذا رصد الفنان الآخر، أيضا في أرضه، وعلى طبيعته، مقارنا بين الشرق والغرب، ومحاولا الخروج في المعادلة المطلوبة.
    بدأت رحلة البحث عن العدالة مع وقوع الأديب تحت الظلم، منذ كان طالبًا جامعيًا، في فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، مرورا بالتدخل الأجنبي وحرب 1967، وما تلاها من أزمات. لقد رفض هيمنة ومركزية الحضارة الغربية، وعمل على القضاء على إحساس الفرد العربي بالتناقض بين كونه مصريا وعربيا، من ناحية، وحديثا، من ناحية أخرى، وخصوصا مع تقدم الغرب وصعوده إلى القمر، حيث بلغ انبهار الشرق أوجه، إلى درجة الرغبة العارمة، في الرحيل لأجل التوحد مع الغرب. من هنا جاءت الرحلة الخارجية إلى إسبانيا، في "رجال وثيران"، لتعلم العربي طريقة الآخر في الصراع لأجل الحرية. أعجب البطل بتنظيم الثور المصارع، ولكن سرعان ما اكتشف فساد القيم.
    أما في "البيضاء" فكانت الرحلة داخلية، وكان الصراع مع الغرب تعلقا عاطفيًا ووجودًا رخيصًا أمام الوجود المقدس. منع هذا يحيى من التوازن مع صاحبته الأجنبية، لاختلاف القيم والحريات، فخرج فاشلا بلا كرامة، ولو أخذ من حضارة الغرب، ما يتناسب وواقعه وخصوصياته لتوازن.
    أكدت الرحلة أن الظلم والظلام الحضاري أمر ذاتي ولا ينقشع إلا بتجديد الذات. ولا يكون ذلك إلا بالمعرفة والتعلم، كما تقول "فينا 60". اتضح من رحلة مصطفى إلى فينا، بحثا عن الجديد في المرأة والتحرر، أن الحرية عندهم زائفة، وأن الشرق يفوق الغرب في قيمه، وأن ما نعلمه عنهم غير صحيح، وهم يختلفون عنا. تجري الأمور عندهم وفقًا لوعي قائم على أسس حضارية مختلفة، بينما تجري عندنا بطريقة عشوائية غير منتظمة.
    نفس النتيجة توصلت إليها رحلة المعرفة والحرية في " نيويورك 80". عرف البطل المشدوه بسحر المكان أن الجنس قيم وعلاقات، جاءت للمحافظة على كرامة الإنسان في الشرق، مقارنة مع مفاهيم الغرب المادية، وبيع النفس في الحرية، وكون الإنسان ضئيلا ضئيلا، أمام ناطحات السحاب.
    تتفق الروايات الثلاث السابقة، وغيرها من الأعمال الصحفية، وهي توظف أساليب الوصف والتسجيل والتصوير والواقعية، في نقل الرحلة ومضامينها، على أن الرحلة جاءت لإثبات النفس، وملء النقص، والتعلم، ولنيل اعتراف المحبوبات الغربيات، وهي تُحوّل الإعجاب إلى استهجان. من هنا يقول الأديب إن العدالة يجب أن تكون صيغة متزنة تحافظ على قيمك، وحريتك، ومساواتك، وحقوقك. تتسنى بإعمال العقل في حل مشاكل الوجود، وبفتح الباب أمام الحضارة الغربية، على ألا نلغي كياننا وشخصيتنا وجذورنا، كما حدث مع جميع الأبطال. فالتفاعل مع الغرب تفاعل متكافئ. يجب أن يعتمد على الأخذ والعطاء، والتأثير والتأثر، دون الذوبان في الآخر. ولا تتم مجاوزة الهزيمة أمام الآخر، أو اللقاء الحضاري معه، أو التوازن، إلا بالعلم. وحتى القوة تحتاج إلى العلم، وهي الحل الأخير. يجب أن نتسلح بالعلم والوعي والوحدة والاقتصاد السليم، كما تقول الأعمال، وأن نأخذ من الغرب ما يلائمنا، وأن نعرف أنفسنا وقدرتها على المواجهة، وما ينقصها، "فالغزاة قادمون من الداخل"، كما يقول إدريس، والعدو موجود في داخلنا. من هنا توجب إصلاح النفوس الفاسدة قبل إصلاح العدو.
  • د. ريما برانسي: حين تغيّر الرحلة مسارها الجغرافيّ: تداعيات الترحال رواية "على شواطئ الترحال"
    من رحم الترحال الذي لا يرسو على الشواطئ بل يتعدّاها ليخترق الحدود الجغرافيّة والقوميّة والفكريّة والمجتمعيّة تنطلق رواية "على شواطئ الترحال" للأديبة راوية بربارة؛ إذ تتّخذ من الرحلة إلهامها، فتجعل المسافة بين تل أبيب وحيفا، ثمّ حيفا والقريّة الفسيفسائيّة في الجليل قادرة على أن تروي ألف حكاية، وأن تطوّر الصراعات والشخصيّات وترسم خطًّا آخر لسيرورة الحدث، ومسارًا تنسجم فيه التناقضات. ولعلّ العنوان "على شواطئ الترحال" فيه من تلك التناقضات ما يُجمل عالم الرواية بأكمله؛ فالشواطئ الّتي يجدر بها أن تشتعل بحرارة الحياة والحبّ والحركيّة ومداعبة الناس للأمواج، تختفي منها كلّ هذه الملامح ولا يبقى فيها إلّا آثارُ أقدام من رحلوا وخيالات وجوهِهم فوق صفحة المياه. وعند هذه الشواطئ تتلخّص كلُّ المتناقضات؛ اليهوديّة والعروبة، المبادئ الذاتيّة والمجتمع، القلب والعقل، الأنوثة والرجولة، الأنا والآخر، جغرافيّة الوطن وجغرافيّة السعادة، الانتهاء والابتداء والرحيل والبقاء.. كلّها تناقضاتٌ تسعى في شواطئ الرواية إلى التماهي والانسجام في تقويم أعمق هو الإنسانيّةُ والحبّ والسعادة.
    ولا تتوقّف الرواية عند الشواطئ، بل تخبّئ في ثناياها رحلة تلو الأخرى، وتجعل من كلّ رحلة بداية جديدة وصراعًا جديدًا، فهي الرحلة من تل أبيب إلى حيفا التي أشعلت نار الحبّ والحرب، حبّ اليهوديّة سارة للعربيّ إبراهيم، وحرب كلّ منهما لمجتمعه وعائلته، وهي الرحلة إلى عكّا الّتي حمّلت حبّهما المدافع؛ فبنيا لهذا الحبّ أسوارًا ممتدّة بوجه المدّ وكاسرًا عند حدود هجمات المجتَمَعَيْنِ. كان سفر سارة الانفراديّ في القطار كفيلًا بإثارة شجونها وشؤونها وإحساساتها، وبتزويدها بالعزم على اختيار العربيّ الشرقيّ المسلم حبيبًا وزوجًا. أمّا الرحلة من القرية الجليليّة إلى نهاريا، فقد لعبت دورها في إثارة الاحتدام، فما كان من محطّاتها؛ عمقة والكويكات والبصّة وغيرها من المناطق العربيّة المهوّدة، إلّا أن أشعلت فتيل الصراع القوميّ السياسيّ وجعلت من الحبيبين الأبديَّيْنِ طرفين متقاطبين له. هذه الرحلة، بدورها، كانت كفيلة بتفكيك حروف الحبّ لتُضَمّنَه اضطرابات المشاعر التي ترافق الحرب. هكذا، تركّز الرواية على كلّ رحلة من رحلاتها الجغرافيّة والحياتيّة والنفسيّة والاجتماعيّة فتجعل من الأماكن قلوبًا حيّة تحبّ وتحارب وتعبّر فتخترق المستوى الحسّيّ الجغرافيّ لتصوّر واقعًا حيًّا بقضاياه وصراعاته.
  • د. لينا الشيخ-حشمة: أدب السّجون: رحلة الاغتراب والهزيمة
    إذا كانت الرّحلة فضاء للهرب، خيالا حالما أو سفرا للرّوح فإنّ أدب السّجون يتقاطع معها في هذه النّقطة. فإذا كان أدب السّجون يعالج قمع السّلطة ورحلة سجن المثقّف وتعذيبه منذ لحظة اعتقاله فلن تكون رحلته عاديّة، بل هي رحلة لا إراديّة إلى مكان مرفوض سلفا. ولما كان وجود الإنسان لا يتحقّق إلّا من خلال المكان وعلاقته به، فإنّ السّجن/ المكان لا بدّ أن يعيد صياغة الشّخصيّة وهويّتها أو يسلبها منها فيغرّبها. وحين يسجن الفرد لا يجد إلّا مخيّلته تعينه على الصّمود، تلك التي ستختار رحلة روحية تعويضيّة طالما رحلة الجسد غير ممكنة، فتجوب الذّاكرة وتسترجع ماضيها وتتأمّل حاضرها، ويبدأ الخيال في رحلة البحث عن الذّات لأجل الخلاص والحريّة الفكريّة؛ فالانحباس في السّجن يقابله انفتاح في الخيال والأفكار. وحتّى يتمّ الانفتاح يجب الانتقال من القصّ الخارجيّ إلى القصّ الذّاتيّ الدّاخليّ من خلال تيّار الوعي والمونولوج والاسترجاع، وغيرها من الآليات الحداثيّة الّتي من شأنها أن تحقّق تجلّيات هذه الرّحلة.
    إذًا هي رحلة الفضاء الرّوحيّ حين يغلق الفضاء الجسديّ، هي جدليّة المغلق/ المفتوح، المكان/ السّجن مقابل حريّة الرّوح والفكر.
    وحتّى إذا استردّ البطل حرّيته فلا بدّ أن تكون رحلة البحث عن المصالحة مع العالم خاسرة لا محالة، إذ سيخرج من السّجن مشوّها، لا يمتّ إلى البشر بصلة؛ فرحلة السجن هي رحلة لا يعود منها السّجين يشبه نفسه؛ هي رحلة تشويه الإنسانية.
  • أ.د. إبراهيم يلمظ: الرحلة عند الشعراء القدماء: شعراء العصر الأول
    كانت الرحلة عند شعراء العصر الأول من الأهمية بمكان حيث أنهم لم يبقوا في مكان واحد بل كان التجول غالبا عليهم في معظم مراحل حياتهم، ولم يكن التجول مقتصرا على بلادهم العربية بل شمل كل البلاد التي تمكنوا من الرحيل إليها، وأينما حلوا قالوا شعرا. ومن هؤلاء الشعراء المشهورين الذين اشتركوا في سوق عكاظ من أمثال: امرئ القيس، وطرفة بن العبد، والشنفرى، والأعشى وعمرو بن كلثوم وقسّ بن ساعدة الإيادي والنابغة الذبياني.
    وفي عصر الجاهلية كانت هناك عشرون سوقا مهمة في الجزيرة العربية؛ حيث تشتهر هذه الأسواق بتجارتها، وكان يؤمّها الناس من كل أطراف الجزيرة العربية وبالإضافة للتجارة المشهورة فيها تعقد الفعاليات الأدبية وتختار فيها أجود الأشعار ويتبارى فيها أفضل الشعراء وأفحلهم.
    وتظهر في أشعارهم أثار رحلتهم التي عرفوا من خلالها العالم وما فيه من معارف وثقافات وأماكن بل كان للمكان الأثر البالغ في أشعارهم.
    وبسبب الرحلة والاطلاع على ثقافات ومعارف الشعوب الأخرى انتقلت الكتابة إلى الجزيرة العربية، وعظم شأن بعض المدن كدومة الجندل التي كان لها ذكر واسع في شعرهم.
    ونحن في هذا البحث نقف عند رحلة الشعراء العرب ونذكر مراحل رحلتهم وما أثر الرحلة في شعرهم. فمثلا امرؤ القيس جال كثيرا من البلدان حتى وصل إلى أنقرة ومات فيها وإلى عصرنا هذا قبره قائم في قلعتها وكان يتنقل كل سنة من اليمامة إلى المشقر (سوق وقلعة قديمة في مدينة هجر) وقد ذكر هذا السوق في شعره.
    وكذا الأعشى الذي كان مكثرا للتجوال حيث ذكر مفتخرا أنه يعرف شعوب العالم ورحل إلى الأتراك والتقى بهم. والنابغة الذبياني الذي يعرف أنه من أشهر شعراء العرب بعد امرئ القيس.
    وكما يبدو ظاهرا أن الرحلة كانت حاضرة في حياة كل الشعراء العرب القدماء وسطروا في قصائدهم أسماء ووصف تلك الأماكن التي مروا بها وسنزيد الموضوع تفصيلا في هذا البحث إن شاء الله.
  • أ.د. وائل أبو صالح: رحلة علماء المشرق إلى الأندلس
    اهتم الباحثون بقضايا الأندلس برحلة الأندلسيين إلى المشرق، وكتبوا في هؤلاء المرتحلين الصفحات الطوال، أما بالنسبة لرحلة علماء المشرق إلى الأندلس فإنها لم تلق ذلك الاهتمام، وذلك لعدة اعتبارات أهمها:
    1. قلة عدد المرتحلين من علماء المشرق إلى الأندلس، بحيث لم يتمكن هؤلاء المرتحلون من تشكيل ظاهرة واضحة المعالم على الرغم من عظيم أثرهم في الأندلسيين.
    2. توقف تلك الحركة توقفا شبه تام بعد انقضاء حكم بني أمية في الأندلس فكأني بحكام بني أمية هناك هم المشجع لرحيل هذا النفر من العلماء إلى الأندلس.
    3. تباعد الحدود الزمنية بين هؤلاء المرتحلين، فقد نشطت رحلتهم إلى الأندلس في القرون الثاني والثالث والرابع للهجرة ثم خبا لألاؤها بعد ذلك.
    ويعتبر عبد الرحمن بن معاوية (المعروف بالداخل) هو من عبّد لهؤلاء العلماء طريق الدخول إلى الأندلس، وبالذات أبناء عمومته من بني أمية، ثم سار على خطاه أمراء وخلفاء بني أمية من بعده حيث شجعوا علماء المشرق من لغويين وفقهاء للقدوم إلى الأندلس.
    وقد اختلفت دواعي رحلة هؤلاء المشارقة إلى الأندلس ويمكن حصرها بالآتي ذكره:
    1. دوافع سياسية: حيث فرّ نفر من هؤلاء العلماء إلى المشرق خوفا من بني العباس لارتباطهم بالأمويين.
    2. دوافع مالية: حيث رغب هؤلاء العلماء في تحسين وضعهم المالي بعدما سدّت السبل في وجوههم في المشرق.
    3. دوافع اجتماعية: والرغبة في الحصول على الشهرة لإيمانهم أن الأندلس بحاجة إلى علمهم وأنهم يمكن أن يجدوا أرضا خصبة لتلك العلوم أكثر من المشرق.
    4. دوافع شخصية: حيث ارتحل هؤلاء العلماء كي يحققوا لأنفسهم الأمن والأمان بعدما هدّدوا بالقتل إذا ما بقوا في المشرق.
    وعلى الرغم من قلة عدد العلماء الذين ارتحلوا من المشرق إلى الأندلس إلا أن هذا العدد استطاع أن يترك أثرا طيبا وبصمات واضحة في المجتمع الأندلسي سواء أكان ذلك في مجال الحياة اللغوية أم الفنية، ونالوا من الشهرة والذيوع الشيء الكثير وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أبا علي القالي، وزرياب، وصاعد البغدادي؛ وبالنسبة لأبي علي القالي فقد كانت حلقته في المسجد الجامع في قرطبة تضم ما يزيد على خمسمائة طالب بمن فيهم كبار علماء اللغة في الأندلس كابي بكر الزبيدي، وذلك اعترافا منهم بفضل القالي وعلمه، وقد وضع على أرض الأندلس أشهر مؤلفاته وأقصد بذلك الأمالي ومعجم البارع، وكذلك الحال بالنسبة لزرياب فقد أثر في المجتمع الأندلسي تأثيرا كبيرا، فعلاوة على إضافته وترا خامسا للعود فقد أثر في حياتهم الاجتماعية على صعيد المأكل والملبس والمشرب، وظلت اختراعاته سائدة في الأندلس حتى خروج المسلمين منها، فحملوها معهم إلى أوطانهم الجديدة، ولاتزال مخترعات زرياب موجودة في بلاد المغرب العربي حتى يومنا هذا.
  • د. سمير خلايلة: الرحلة النفريّة: جدليّة الحرف والرؤيا
    إنّ مفهوم الرحلة باللغات الطبيعيّة تتمعجم كمفردات تحمل دلالة الحركة والتنقل في أصقاع الأرض والبيئة الجغرافيّة. لا نبالغ إذا ادعينا أنّ الطبيعة الجغرافيّة والبيئية المناخيّة قد تتفاعل مع كل تمثّلات الإنسان على الصعيد العاطفي والنفسي والعقلي واللساني. فالبيئة الصحراويّة، مثلا، جعلت الإنسان عاطفيّا وروحانيّا أكثر (انظر ظهور الأنبياء في المشرق العربي) ويتشكل القاموس اللغوي من طبيعة البيئة (مفردات مفهوم الجَمَل). هناك الدلالة الروحيّة والعقليّة لمفهوم الرحلة إلى جوّانيّة الذات الإنسانيّة والذات الإلهيّة.
    تناقش هذه الورقة الرحلة النفريّة كما تتجلّى في نصّه "المواقف والمخاطبات". الطرح المركزي الذي تتبناه هو أنّ الرحلة الباطنيّة التي تتسم بالعلو والطيران القلبي عند الصوفي عبر أحوال ومقامات تتجاوز السِّوى (كل الكون ما عدا الله) تُحتّم اجتراح موقف مغاير يتجاوز الكتابة (الأدبيّة) المألوفة وبالضرورة يَحتدم بمنطق اللغة الذي يعتمد كثيرا على مبدأ التباين الذي تتمظهر فيه علاقات التقابل والتضاد والمجاز. فحين تتسع الرؤيا الروحيّة عند الصوفي (حسب منظور النفريّي اللساني) تضيق العبارة حدّ الصمت (مُتجليةً باستواء الحجب والكشف) والإنصات إلى لغة المُطلق المتعالي التي تجعله يذوق وَحدة الوجود بفنائه والتخلّق بالذات الإلهية ببقائه. نجتهد في هذه الورقة على إزالة حُجب الغموض وفكّ لغز وأحاجي أسلوبية النفرّي وشطحه الخلّاق في قول ما لا ينقال وإبراز البيان للجدليّة القائمة بين اللغة (الحرف) وبين التجربة القلبيّة التي يسلكها السائح الصوفي في الطرق إلى المطلق (المعراج/الهجرة في الله)، مُنى المنتهى، من خلال الوقفة التي تُمكنه من رؤية النور عند حدود السِّوى المادي والعقلي.
  • د. محمد حمد: دلالات الرحلة عبر الزمن في القصّ العربيّ القديم والحديث
    سبق القرآن الكريم وألف ليلة وليلة وسيرة سيف بن ذي يزن الرواية الغربيّة الّتي تبنّت الرحلة عبر الزمن في القرن الثامن عشر، عندما ابتكر هربرت جورج ويلز فكرة آلة الزمن في روايته آلة الزمن The time machine، بل إنّها سبقت أينشتاين في نسبيّة الزمن، والّتي تحدّث عنها في نظريّته النسبيّة، حينما اعتبر الزمن بعدًا رابعًا قابلًا للتغيّر، وقد أشار القرآن إلى نسبيّة الزمن في الآية: "يدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ممّا تعدّون". (السجدة: 5). وفي آية أخرى: "وإنّ يومًا عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون" (الحج: 47)
    بخلاف الرحلة عبر المكان، تتجلّى الرحلة عبر الزمن كنوع من الفنتازيا المرتبطة بالخيال العلميّ، ولا يقصد منها الاسترجاع الفنّيّ كالمألوف في القصّ، ولا حدوث الأحداث في عصور سابقة، كرواية الزيني بركات لجمال الغيطاني، أو حدوثها في المستقبل كرسالة الغفران للمعرّيّ. الرحلة عبر الزمن هي انتقال من زمن إلى زمن، بحيث تعيش الشخصيّات زمنين مختلفين، بعد انتقالها عجائبيًّا من زمن لآخر، وما ينطوي على هذا الانتقال من أحداث وتطوّرات على الشخصيّات.
    دخلت الرحلة عبر الزمن في الرواية العربيّة من منظور التجريب الفنّيّ، فكان للفانتازيا ورواية الخيال العلميّ دور في استقطاب هذا المفهوم الجديد للزمن، فضاءً تدخل فيه الشخصيّات، وتنتقل عبر عوالم متباعدة. وتسج حبكتها القصصيّة اعتمادًا على ما يرسمه تأثير الزمن في الأحداث والشخصيّات، وما ترسمه المفارقة الحاصلة من تباعد الأزمنة وغرائبيّة التقائها في متون السرديّات الأدبيّة. وسيكون لنا في هذه المداخلة وقفة مع نموذجين للرحلة عبر الزمن، أحدهما قديم والآخر حديث. كما سنحاول الإجابة عن السؤالين:
    ما دلالة الرحلة عبر الزمن في الأدب العربيّ؟
    وكيف تخدم هذه الدلالة كلّا من المضمون والأسلوب؟
    سنقوم بهذه المداخلة بالإجابة عن هذين السؤالين من خلال نماذج تطبيقيّة من سيرة سيف بن ذي يزن، ألف ليلة وليلة، قصّة الاختراع العجيب لتوفيق الحكيم ورواية مجرّد حلم لعبد الرحمن بهير.
  • د. سعيد شواهنة: رحلات اللغويين المشارقة
    يتمحور هذا البحث حول الرحلات اللغوية لدى اللغويين المشارقة في اتجاهين: رحلة إلى البوادي بهدف جمع اللغة من أفواه العرب الأقحاح، وأخرى معاكسة إلى الحواضر، هدفها عرض ما جمع من البوادي ومقارنته بلغة أهل المدر. وشملت الرحالة اللغويين المشهورين، أصحاب الباع الطويل في جمع اللغة العربية، أمثال الأصمعي وخلف الأحمر وغيرهما، ولم تكن رحلاتهم استكشافية مكانية بل بغرض جمع اللغة. وارتبطت رحلتهم بتحديد فترة زمانية، ليتمكنوا من حصر اللغة، وما أصول النحو وبناء المعجم إلا نتيجة لتلك الرحلات اللغوية، التي اعتمدت على السماع من القبائل أو الرواة، الذين لم يتلوث لسانهم باللحن على حد تعبيرهم. وحددوا القبائل المعتد بفصاحتها، وقد توفر هذا الصفاء اللغوي لدي مجموعة من القبائل وهي: قيس وأسد وتميم وهذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، وبالجملة لم يؤخذ عن حضري قطّ، لاختلاطه بالأعاجم، ولا عن أهل البراري البعيدة المجاورة للعجم كلخم وجذام وغيرهما، ومن النحاة البصريين الرواة الذين نزحوا للبادية عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ويونس بن حبيب، ومثلهم فعل نحاة الكوفة، أمثال الكسائي والفراء وأبي عمرو الشيباني وغيرهم. وقد وضع اللغويون شروطاً للراوي، منها: أن ينتمي من تنقل عنه اللغة إلى القبائل الست، وتكون الرواية بلغتها، وأن يتقيد بزمن الاحتجاج، وأن يكون عدلاً. ويبدو الحرص واضحا من القيود السابقة على اللغة العربية لغة القرآن الكريم.